سورة الذاريات - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


والذارياتُ: أي الرياح الحاملات {وِقْراً} أي السحاب {فَالْجَارِياتِ} أي السفن. {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} أي الملائكة بربِّ هذه الأشياء وبقدرته عليها. وجواب القسم: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ...} والإشارة في هذه الأشياء أن من جملة الرياح. الرياح الصيحية تحمل أنينَ المشتاقين إلى ساحات العزَّةِ فيأتي نسيمُ القربةِ إلى مَشَامِّ أسرارِ أهل المحبة فعندئذٍ يجدون راحةً من غَلَبَات اللوعة، وفي معناه أنشدوا:
وإني لأستهدي الرياحَ نسيمكم *** إذا أقبلَتْ من أرضكم بهبوب
وأسألُها حمْلَ السلام إليكمو *** فإنْ هي يوماً بَلَّغتْ.. فأجيبي
ومن السحاب ما يُمطر بعتاب الغيبة، ويُؤْذن بهواجم النَّوى والفُرْقة. فإذا عَنَّ لهم من ذلك شيء أبصروا ذلك بنور بصائرهم، فيأخذون في الابتهال، والتضرُّع في السؤال استعاذةً منها كما قالوا:
أقول وقد رأيتُ لها سحاباً *** من الهجران مقبلة إلينا
وقد سحَّت عزاليها بِبَيْنٍ *** حوالينا الصدودُ ولا علينا
وكما قد يَحْملُ الملاَّحُ بعضَ الفقراء بلا أجرة طمعاً في سلامة السفينة- فهؤلاء يرْجُون أن يُحمَلُوا في فُلْكِ العناية في بحار القدرة عند تلاطم الأمواج حول السفينة. ومِنَ الملائكةِ مَنْ يتنزَّلُ لتفقد أهل الوصلة، أو لتعزية أهل المصيبة، أو لأنواعٍ من الأمور تتصل بأهل هذه القصة، فهؤلاء القوم يسألونهم عن أحوالهم: هل عندهم خيرٌ عن فراقهم ووصالهم- كما قالوا:
بربِّكما يا صاحبيَّ قِفَا بيا *** أسائلكم عن حالهم وآسألانيا
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ}: الحقُّ- سبحانه- وَعَدَ المطيعين بالجنة، والتائبين بالرحمة، والأولياءَ بالقربة، والعارفين بالوصلة، ووَعَدَ أرباب المصائب بقوله: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157: 156]، وهم يتصدون لاستبطاء حُسْنِ الميعاد- واللَّهُ رؤوقٌ بالعباد.


قوله جلّ ذكره: {والسَّمَآءِ ذَاتِ الحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ}.
{ذَاتِ الْحُبُكِ} أي ذات الطرائق الحسنة- وهذا قَسَمٌ ثانٍ، وجوابه: {إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} يعني في أمر محمدٍ صلى الله عليه وسلم فأحدهم يقول: إنه ساحر، وآخر يقول: مجنون، وثالث يقول: شاعر.... وغير ذلك.
والإشارة فيه إلى القسم بسماء التوحيد ذات الزينة بشمس العرفان، وقمر المحبة، ونجوم القُرب... إنكم في باب هذه الطريقة لفي قولٍ مختلف؛ فَمِنْ مُنْكِرٍ يجحد الطريقة ومِنْ مُعترِضٍ يعترض علىأهلها يتوهَّم نقصانهم في القيام بحق الشريعة، ومن متعسِّفٍ لايخرج من ضيق حدود العبودية ولا يعرف خبراً عن تخصيص الحقِّ أولياءَه بالأحوال السنية، قال قائلهم:
فد سَحبَ الناسُ أذيال الظنون بنا *** وفَرَّقَ الناسُ فينا قولهم فِرقَا
فكاذبٌ قد رمى بالظنِّ غَيْرتكم *** وصادقٌ ليس يدري أنه صَدَقَا
قوله جل ذكره: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مِنْ أُفِكَ}.
أي يُصْرَفُ عنه مَنْ صُرِف، وذلك أنهم كانوا يصدُّون الناسَ عنه ويقولون: إنه لمجنون.
{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِى غَمْرَةٍ سَاهُونَ}.
لُعِنَ الكذَّابون الذين هم في غمرة الضلالة وظلمة الجهالة ساهون لاهون.
قوله جلّ ذكره: {يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينَ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِى كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}.
يسألون أيان يومُ القيامة؟؛ يستعجلون بها، فلأَجْلِ تكذيبهم بها كانت نفوسُهم لا تسكن إليها. ويوم هم على النار يُحْرَقون ويُعَذَّبون يقال لهم: قاسوا عقوبتكم، هذا الذي كنتم به تَسْتَعْجِلُونَ.
والإشارة فيه إلى الذين يَكْذِبون في أعمالهم لِمَا يتداخلهم من الرياء، ويكذبون في أحوالهم لِمَا يتداخلهم من الإعجاب، ويكذبون على الله فيما يدَّعونه من الأحوال.... قُتِلُو ولُعِنوا.... وسيلقون غِبَّ تلبيسهم بما يُحْرَمون من اشتمام رائحة الصدق.


قوله جلّ ذكره: {إِنَّ المُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنينَ}.
في عاجلهم في جنَّتِ وَصْلِهم، وفي آجلهم في جنّاتِ فَضْلِهم؛ فغداً درجات ونجاة، واليومَ قرُبات ومناجاة، فما هو مؤجَّلٌ حظُّ أنفسِهم، وما هو معجّلٌ حقُّ ربِّهم. هم آخذين اليوم ما آتاهم ربهم؛ يأخذون نصيبه منه بِيَدِ الشكر والحمد، وغداً يأخذون ما يعطيهم ربُّهم في الجنة من فنون العطاء والرِّفد.
ومَنْ كان اليومَ آخذه بلا وساطة من حيث الإيمان والإتقان، وملاحظة القسمة في العطاء والحرمان. كان غداً آخذه بلا وسطة في الجنان عند اللقاء والعيان. {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَالِكَ مُحْسِنِينَ}؛ كانوا ولكنهم اليوم بانوا ولكنهم بعد ما أعدناهم حصلوا واستبانوا....فهم كما في الخبر: «أعبد الله كأنك تراه...». قوله جلّ ذكره: {كَانُواْ قَلِيلاً مِّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
المعنى إمَّا: كانوا قليلاً وكانوا لا ينامون إلا بالليل كقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] أو: كان نومُهم بالليل قليلاً، أو: كانوا لا ينامون بالليل قليلاً.
{وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرونُ}: أخبر عنهم أنهم- مع تهجدهم ودُعائهم- يُنْزِلون انفسَهِم في الأخار منزلةَ العاصين، فيستغفرون استصغاراً لِقدْرِهم، واستحقاراً لِفِعْلهم.
والليلُ للأحباب في أُنْس المناجاة، وللعصاة في طلب النجاة. والسهرُ لهم في ليلايهم دائماً؛ إمّا لفَرْظِ أَسَفٍ أولِشدَّةِ لَهَفٍ، وإمَّا لاشتياقٍ أو لفراقٍ- كما قالوا:
كم ليلةٍ فيك لا صباحَ لها *** افنْيَتُهَا قابضاً على كبدي
قد غُصَّت العينُ بالدموعِ وقد *** وَضَعْتُ خدي على بنان يدي
وإمّ لكمال أُنْسٍ وطيب روح- كما قالوا:
سقى اللَّهُ عيشاً قصيراً مضى *** زمانَ الهوى في الصبا والمجون
لياليه تحكي انسدادَ لحاظٍ *** لَعْينِيَ عند ارتداد الجفون

1 | 2 | 3 | 4